Friday, May 22, 2009

العروس

إبتَسمَ لصورته في المرآة و هو يصلح من هندام حُلة زفافه الأنيقة.."أخيراً جاء اليوم الموعود" هتف لنفسه في أعماقه..تداعت الذكريات إلي عقله سريعاً ..تذكر كم رغب بها ..كم أرادها له وحده..هو فقط..منذ رأها من بعيد في ذاك البوم..يالبريقها..كانت تشع بهاءً و رونقاً..رأها تمشي من بعيد محاطة كعادتها بكوكبةٍ من الصحاب و الخلان و المريدين والمعجبين..إلتفت في إتجاهه وخيل إليه مع المسافة أنها نظرت إليه..إليه وحده..ثم إبتسمت..تلاشي الزمن من حوله في تلك اللحظات القصار اللاتي إستغرقتهن إبتسامتها. إستدارت عائدة لتكمل ما كانت فيه. أما هو فلم يعد قط كما كان ,مست نظرتها و بسمتها شغاف تلك الرغبة المتأصلة في أعماق نفسه.. في هذ ه اللحظة إتخذ قراره أنها لابد له..له وحده..

لم يتوان لحظة عن تنفيذ قراره..لم يتوقف و لو لثانية ليعيد التفكير..إنطلق من عقاله كماردٍ من قمقمه..لكم حارب من أجل أن يصل إليها.. كم من معارك خاض بلا شفقة أو رحمة..
نسي أو تناسى كل ما تعلم في نشأته الريفية الأولى..تلاشي صوت والده الذي كان دائماً بمثابة الضمير من أعماقه..كم من قوانين البشر كسر..ضاع من أمام ناظريه الفرق بين ما حُرِمَ و حُلل..قادته رغبةٌ محمومةٌ في الجمع..لم يقم وزناً لشئ أو أحد سواها..داس الكبير قبل الصغير..لم يميز من كان خصمه..حارب الكل..قاتل كارهيها لأنهم نصحوه بالرُجوع..وحارب محبيها لأنهم ينافسونه حبها..لم يكن يسمح لأيٍ من كان أن يقف في طريقه..فقط ليصبح جديراً بها..لم يكن يري سوى صورتها..ولا يسمع إلا صوتها في رأسه تدعوه إليها في شغف و وله..

إستعاد إحساسه بالزمن ليجد موعده إقترب كثيراً و أن عليه الإسراع ليبدأ حفل زفافه عليها..وصل في موعده ليجدها بإنتظاره في أبهى حُلة. فستان زفافها كان أعجوبة من جمال في حد ذاته. لكن غطاء رأسها حجب جمال و جهها وكأنها تتمنع عليه في دلالٍ لأخر لحظة..إبتسم و قد إزداد شوقه و تأججت الرغبة المتقدة في أعماقه..ضاق ذرعاً بالمهنئين و
المصفقين..كره الأضواء و الأصوات..إستعجل اللحظة التي يصبحان فيها وحدهما سوياً..اللحظة التي تصبح فيها له حقاً..له وحده كما حلم دوماً..كم من ليال بات يرسم هذه اللحظة في مخيلته..كم من أحلامٍ بنى و كم من آمالٍ علق..

في غرفتهما بعد إنتهاء الحفل, كاد عقله يطيرُ شعاعاً من الفرح..إشتعل قلبه بالرغبة التي أصبحت بين يديه..إقترب منها وهو يرتجف إنفعالاً..مد يديه ليرفع غطاء رأسها الأبيض الرقراق و..



و تراجع في هلع ليسقط علي ظهره أرضاً أمام قدميها..و بعينان ملأهما الذعر نظر إلى ملامحها غير مصدق لما يراه.. غطاء و جهها كشف عن ملامح لم ير أقبح منها في أسوء كوابيسه..تركز بصره علي عينان إختلطت حمرتهما بصفارهما بسوادٍ مقيت..ملامح لا تكاد تبين خلف أصباغٍ صورتها له ملكة للحُسنٍ في ذاك اليومٍ المشئوم..

نظرت إليه بدهشةٍ مصطنعة..إقتربت منه مائلةً ليواجه وجهها عيناه المذعورتان.."ما بك؟!!" قالت في سخريةٍ ممزوجةٍ بالشماتة.."أنا عروسك التي سعيت خلفها سعيك..أنا عروسك التي جعلتها هدفاً وحيداً نصب عينيك..أنا عروسك التي خرقت لأجلها قوانين البشر و السماء..أنا عروسك.."
صمتت لثانية مُقَرِبة وجهها من وجهه أكثر حتي إشتم رائحة أنفاسها العطنة.."..أنا ..دنياك.." قالتها و أطلقت ضحكةً ماجنة كانت أخر ما سمع..

إسودت الصورة أمام عينيه. و شعر لأول مرة منذ زمن بصوت أبيه يتردد في جنباته..قارئاً الأية الكريمة التي طالما رددها علي مسامعه مذ صغره..

"اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " ...صدق الله العظيم..

Saturday, May 16, 2009

HaLf MooN...



بداية إعذروني على كتابتي العنوان بالإنجليزية, لكني لم أستشعر للترجمة العربية ذات الوقع و الرنين الذي تحدثه الكلمة الإنجليزية في قلبي و عقلي..



نصف القمر.. نصف البدر..Half Moon



ربماكان البدرُ مكتملاً لا يُضاهى في رونقه و جماله, وربما كان مصدر إلهام العديدين , وربما كان أجمل تشبيهات المحبين و العشاق, و ربما أيضاً كان أخصب مصادر الخيال لكُتابِ الرعب, وربما كان الرمز صاحب الوزن الأثقل في ثقافاتِ بعض الشعوب حتى أن وجود آلهةٍ للقمر لايعدُ شيئاً غريباً علي ثقافات بعينها. لكن ما يخلب لبي دائماً , ويشد إنتباهي, ما كان ولا يزال يغرقني في بحورٍ من مزيج التفكير و الشعور ..ما يجعلني أتيه في عوالمِ خيالاتي هو دائماً نصف القمر..نصف البدر..



في تلكم الأيام التي تلي إكتمال البدر يتأكل القمر رويداً رويداً..تنتقص دائرته التامة ليغدو في الثُلثِ الأخير من الشهر القمري ذلك الكيان العجيب..نصف البدر..

نصف البدر يُذَكِرُني كلما نظرتُ إليه أنه الأن نصفُ ما كان منذ أيامِ قلائل..يُذَكِرُني أن لكل إكتمالٍ نُقصانٌ يليه و يُذَكِرُني أنه ليس بعد الكمالِ إلا الزوال..



نصف البدر يُشعِرُني أني أنا أيضاً مُجردُ نصف.. نصفُ إنسان..نصف كيان..نصف ما يجب علي أن أكون..بل نصف ما أستطيعُ أن أكون..



نصف البدر يخبرني أن لي نصفاً أخر في مكانٍ ما يبحثُ عني كما أبحثُ عنه.. يخبرني ألا إكتمال إلا بالنصفين.. و أني لن أكون بدراً أبداً مالم أجد نصفي الأخر..و أني إلى زوالٍ مالم أجد نصفي الأخر..



لكن ذات نصف البدر يُحَذِرُني أنه بعد الوصولِ إلي الكمالِ بالإكتمال يأتي إضمحلالٌ إلي الزوال..فنصفي البدر يلتقيان فيكون كمال جمالِه في إكتمالِه بدر التمام..لكن أحد النصفين دائماً ما يأخذ في التلاشي و الإختفاء..ليتركَ النصف الأخر ليبدأ أو ليُكمِل رحلةَ الإضمحلال في طريقهِ إلي كاملِ زوال البدر ليسود السواد..ويكون محاق..



نصف البدر يُعَلِمُني ألا أفرح بالإكتمال فمآله إلي زوال.. وألا أحزن علي نقصان فمصيرهُ إلى إكتمال..

وإذا كان البدرُ مكتملاً يوقظُ المذؤب في قصص الرعب, فنصف القمر يُذَكِرُني دائماً بنصف المذؤب الذي يحيا بداخلي.. يُذَكِرُني بالوحش الرابضِ في أعماقِ كُلٍ منا لا يمسكه عن ظهورٍ إلا واعزٌ من حكمة أو بقيةٍ من دين أو ثوابتٌ من عقل أو نذرٌ يسيرُ من صبرٍ و حلم..لكنه قد ينبعثُ حيناً ليسيطر علينا في لحظة غضب مكشراً عن أنيابه, مسقطاً أقنعة التحضر و الوعي , مزمجراً معلناً عن وجوده و مُخبراً إيانا أنه مازال يرقُد بأعماق لاوعي كل منا رازخاً تحت قيود العقل أحياناً لكنه قادرٌ علي الإفلات وقتما شاء..



نصفُ البدر يُذَكِرُني أن بدخلي نصف شيطان..و أن جزءٌ من إنسانيتي هو مزيج من الطين و النار..لكن نصف البدر يطمئنُني أن بداخلي أيضاً نصف ملاك..قبسٌ من روحِ الله ..نفخة و نفحة من نقاءه..تشع بداخلي حيناً فتجذبني من على شفا الهاوية لتعيدني إلي الطريق و تنير أمامي سبيل الخلاص..

نصف البدر يُعَلِمُني أن نصف الحقيقةٍ يخدع..فنصف البدر -رغم عشقي إياه- لا يخبر حقاً عن بهاءِ البدر حين تمامه ولا يدُل علي قٌبحِ المحاق في إختفاءِه..نصف البدر لا يُضيء طريقي كالبدر ولا يجعلني أحملُ مشعلي لأُضيء طريقي بنفسي كما يفعل المحاق.. نصف البدر يخدع معطياً إياك أمل النور لكنه لا يكفي لتبديد الظلام..

نصف البدر هو نصف إكتمالٍ و نصف نقصان..نصف جمالٍ و نصف قبح..نصف حقيقةٍ و نصف خداع..نصف نورٍ و نصف ظلام..
نصف البدر هو حال البين بين..هو لا أرض و لا غرق..هو لا وصول ولا ضياع..هو اللا أمل و اللا يأس.. هو وعدُ بالكمال ..ونذيرٌ بالزوال..
نصف البدر.. هو أنا..

Sunday, May 10, 2009

لابرينث

يضيع من قدمَي الطريق,يتلاشى خلف خطواتي مجهولٌ لينبت أمامها مجهول جديد..طريقٌ لا أدري أين بدايتها و لا أعلم لها من نهاية.
لا أتذكر ما الذي ألقي بي في هذي البئر العميقة من اللاشئ!! صحيحٌ أني قد بدأت المسير مدركاً الخطر, بل راغباً به, لكنَ شاطيء النجاة كان دائما ملئ عيني و منال يدي و إطمئنان روعي. لم ألحظ متي فقدت طوق نجاتيَ الأخير, ولا متي غاب عني زورق الحياة..لم أدري متي إنتهت "المغامرة محسوبة العواقب" لتبدأ روحي تهيم في أرض اللاإنسان..كل ما أدرك أني قد افقت لأجدني بلاشئ , لا شيء معي , لا شئ حولي, لاشئ علي مرمي أنظار عيناي ولا قلبي ,لا بصر يبصُر ولا بصيرة تهدي. بل ولا شئ بداخلي. حالةٌ قصوى من الضياع لم أعش مثلها قط..
ريحٌ تعصف بما بقي من معالمِ الطريق..
تتطاير مع كل خطوة أخطوها الملامح , تتبدل ألوان المألوف الدافئة لتغيب في سوادٍ قارص البرودة, يتأكل كل أملٍ في نجاة.. أي شكلٍ من نجاة..
هبةٌ أخري للريح أشد قسوة, يكاد يفلتُ من يدي..تتشبث أصابعي به بإستماتة..إنه أملي الأخير..بئر الحياة الوحيد في صحراء الضياع.. أثرٌ باقٍ من دليلٍ قادني يوماً في التيه..أتشبثُ به كغريقٍ بأنامل منقذيه..كرضيعٍ في الفطام بثدي أمه..كنخلةٍ بجذورها في أرض..
تتحرك يدي به في حركة ٍ محمومةٍ نحو أنفي.. أتنفسه أستنشقه أتمني لو أن أنفاسي إستطاعت أن تحمله معها إلي داخلي.. ليستقر جوار قلبي مؤنساً وحدته, مهدئا روعه, مثبتاً جزعه, مطمئناً فزعه.. نعم, مازال يحمل عبيرها..ترياق الحياة الذي كانت تتطيبُ به, مزيجٌ من الحنان و الشجن, كأنهم قطروا حلاوةَ الحزنِ ليخلقوا منها إكسيرأً سحرياً لا يعرف سره سواها..
أسيرُ في غيبوبةٍ من خيالاتي لتتوه قدماي أكثرَ فأكثر في ذات اللاطريق..لكني مستمرٌ في المسير علني إذا أصل..
أجدها بإنتظاري...