Saturday, September 22, 2012

خواطر النفس: الإرادة - إرادة الفعل : الأول - الفكر و الفكرة

- مقدمة

كيف نريد؟ و لماذا نريد ؟ و لما نريد هذا الشئ أو ذاك أو هذا الشخص او ذاك تحديداً؟! و لما نأنف من هذا أو ذاك؟! و لما نُقبل على فعل معين و نأبي غيره ؟ لما نَقبل مايماثل أو يشابه ما نرفضه؟ و لما نرفض ما قد قبلنا مثيله من قبل؟ 
أين يقع مركز الإرادة في المخ البشري؟ أهو هناك في البدء أم أنه مندمج و مدمج في مركز الغموض الأعظم..الروح؟!! 

ما هو مصدر الإرادة الإنسانية؟ كل الإرادات البشرية..إرادة الحياة  و الموت.. العطاء و المنع.. حفظ النفس و النوع.. أهذه كلها إرادات أم غرائز؟  و إذا كانت غريزة, فكيف يخالف المنتحرون مثلاً غريزة الحياة؟! بل كيف يخالفها من يضحون بأنفسهم من أجل الاخرين؟!! أليس من تعريف الغريزة شبه إنعدام القدرة على مقاومتها؟! -و إن أمكن تقنينها و تشريعها دنيوياً و دينياً.

إذاً فإرادة الحياة ليست غريزة وإلا لما أمكن مقاومتها.. فهي إرادة و ليست غريزة. ولإنها إرادة فإننا نحتوي بداخلنا-كوننا بشراً- الإرادة المضادة لها.. و القدرة علي تفعيل إحداهما علي حساب الأخرى.. هكذا يختار البعض الحياة و يختار الأخرون الموت..

- إرادة الفعل: العصا السحرية 

هذه القدرة علي التفعيل هي الإرادة العظمى..سر البشرية الأعلى و الأقدس.. لغز الألغاز و الطلسم الأكبر..
إرادة الفعل..القدرة السحرية الممنوحة للبشر دون غيرهم من المخلوقات على أن يتخيروا من مجموعة واسعة و متضادة من الإمكانات و الإحتمالات ليضعوا ما يشاؤن منها قيد التنفيذ ويلقوا ما يريدون التخلص منه وراء ظهورهم.. و إرادة الفعل منظومة متكاملة معقدة التركيب بطبعها و متراكبة الطبيعة.. و هي كغيرها من منظومات البشر المعنوية و الحسية في حال تفاعل دائم داخلياً و خارجياً.. لكن المدخل الوحيد الممكن لفهم منظومة الفعل و التفعيل هو أن نتتبع التسلسل المنطقي للمادة الخام للفعل ألا و هي الفكرة..من حيث تنبت أو تنشأ و من حيث هي المجرى الأولي للفعل.. 


 - كيف تكون الفكرة؟

 تجتاح عقولنا و أفئدتنا في اليوم آلاف- بل و للبعض ملايين- الأفكار..تيارات و شلالات و فيضانات من الأفكار.. من نهر إلى نهر و من نهرِ إلى بحر و من بحر إلى حيز أوسع في محيط العقل. تنساب أفكارنا كل يوم متقلبة من جريان الفيضان إلى ركود المستنقعات..منابعها كمنابع النيل معلومة لنا جزئياً أحياناً و غامضة كليلة حالكة في معظم الأوقات.

 من منا يجزم أنه يعلم من أين تنبع أفكاره؟! أنا لا أعلم من أين تنبع أفكاري و لا متي تثقل سحبها لتمطر في داخل عقلي. لا أدري كيف ولا من أين و لا لما تتكاثف تلك القطرات و اللمحات من الحياة اليومية لتكون غيوم الأفكار الثقيلة.. لتحجب شمس المعتاد عن نفسي ثم تمطر.. تمطر بَرَداً حيناً و كِثفاً من الثلج حيناً.. و تمطر أمطاراً إستوائية شديدة الحرارة و أخرى رعدية تتصادم فيما بينها وتُبرِقٌ و تُرعِد..لكنها دوماً تهطل في غزارة كسد إنهار فجأة.. تجرف في طريقها كل الموانع البدائية من الوعي..التقنيين..التشريع..العلم..وأحياناً التدين.

 تعيد أفكاري في طريقها رسم خارطة كياني..تغير من مواقع الأنهار و البحار و المحيطات.. تعيد تشكيل تضاريس نفسي و روحي. مع كل سيل عارم من أفكاري أغدو إنساناً اخر.. تختلف طبوغرافية شخصي و شخصيتي بل و عقلي و نفسي.. أصبح كياناً مختلفاً بقدر الإختلاف بين طبيعة السيل الأخير وذاك الذي سبقه..وعلى حسب نوع الأفكارالمسيطر في السيل الأخير..فإذا بي أتحول من حال إلى حال و أتقلب بين الشئ و النقيض..فإن كان المطر الأكثر غزارة في السيل الاخير ثلجاً.. فنفسي إلي جمود..و إحساسى إلى سكون..وروحي إلى سلام..برداً و سلاماً.
أما  إن كان السيل الأخير إستوائياً حاراً كان الزخم و الإندفاع ديدني.. و إذا كان السيل رعدياً متقلباً تتصارع فيه الأفكار و تضطرب كنت انا في حال التضاد مع النفس. تناقض أقوالي أفعالي و تتردد بي الخطي بين يمين ويسار متخبطة تخبط الأفكار المصطرعة في عمق الإعصار الضارب في أطناب عقلي..أنقاد مرة للأمام و أخرى للخلف بين إقدام و إِحجام و إنطفاءِ و إشتعال..

لذا فالفكرة في الإنسان هي أصل القيادة.. و هي في ذات الوقت الهدف. سواءً كانت هدف التحقيق أو هدف التجاهل أو مستدهفةً للقضاء عليها. هكذا كان نتاج التفاعلات بين الأفكارفي طرف  و القيود و الحدود و القوانين في طرف أخر و إنصياع أحد الطرفين للأخر و إنصياع الشخص لأحد الطرفين و العديد من العوامل الأخرى, نتاج هذا كله هو الفعل.. من هنا كانت الفكرة هي المادة الخام للفعل وأصله..

-  الإنتقاء الفكري - الظهور الأول

في وسط هذه التيارات المتجانسة حيناً و المتصارعةِ في أغلب الأحيان من الأفكار, تتكشف للإنسان قدرة غير إعتيادية علي الإنتقاء..وهي الخطوة الأولى في عملية طويلة تسمح لهذه الفكرة بالذات أو تلك بالتحديد أن تُحدث التأثير المقدر لها سلفاً.
الإنتقاء هو المرحلة الأولى لإرادة الفعل من حيث أنها منظومة معنوية مغلقة, وهو الإفراز أو الإنتاج الأول لها كناتج نهائي من حيث هي نظام تفاعلي مع عالمها الخارجي و هو الإنسان..و بعبارة أخرى فإن الإنتقاء هو الخطوة الأخيرة في بحور الفكر و الخطوة الاولى علي أرض الواقع الداخلي للإنسان توطئة لتخرج الفكرة بعد معالجتها  إلى عالم الواقع الخارجي للإنسان فتظهر في صورة التأثير المباشر و غير المباشر على غيرها من مكونات الواقع..

-الإنتقاء الفكري- الأصل و الأثر

لما قد يختار أحدنا أن ينفذ فكرة ماخطرت له  دوناً عن فكرة  أخرى؟! لما لم يختر تلك الشبيهة بها؟! أو هذه المعارضة لها؟! لما نشعر أن أفكاراً معينة أقرب لشخصيتنا أو شخصنا؟! لما قد ننتقي فكرة بعينها لنفتح لها الباب لتثبت قدرتها على الفعل؟! ما هي شروط الإنتقاء الفكري؟  و ما هي طرقه ووسائله؟ والسؤال الأهم  :هل تختلف ميكانزمات الإنتقاء من شخص لأخر؟؟ وتبعاً لأي عوامل؟؟  

بالحكم على التأثير و الناتج الواقعي للأفكار التي يتم إنتقاءها للتحول إلى أفعال صادرة من مختلف أطياف البشر لابد لنا أن نستنتج أن مصدر الإختلاف هو إحدى إثنين أو مزيجهما معاً بتفاوت النسب. أولهما هو طبيعة الأفكار التي تخطر لشخص بعينه. أي المجموعة المعروضة من المواد الخام الصالحة للتفعيل عن طريق منظومة إرادة الفعل والتي خطوتها الاولى كما اوضحنا سابقاً هي الإنتقاء. و ثانيهما هو طبيعة و طرق و معايير الإنتقاء التي يتقيد بها الشخص في إختيار الأفكار التي يحولها إلى أفعال. و الأمر بسيط لكني من باب التوضيح أضعه في شبه المعادلة التالية :

1- (أفكار + معايير إنتقائية) (تمر بعملية التحول) = فعل
2- فعل + بيئة إستقبال = تأثير 

فإذا كان الناتج النهائي للمعادلة الأولى وهو الفعل يختلف من شخص لأخر, فمن المنطقي أن نستنتج أن مدخلات المعادلة (أحدهما أو كلاهما) يختلف من شخص لاخر. و لتحديد أي المدخلين هو المختلف أو علي لاقل تقدير الأكثر إختلافاً من شخص لأخر دعونا نحلل معاً أحد مدخلي المعادلة و هو الأفكار.
بإختلاف المادة الخام للفعل -وهي الفكرة- من شخص لأخر تختلف تبعاً لها الأفعال التي هي الأفكار في شكل المنتج النهائي الذي نتمكن من ملاحظة تأثيره في العالم الواقعي الملموس. لكن الأفكار بكل أنواعها -وهي في الاصل من نسيج واحد- ليست محصورة أو مقصورة على شخص بعينه وهي ليست محددة الإتجاه أو محدودة القدرة.أي أن كلاً منا يستطيع خلق وتجسيد كل أنواع و أنماط الأفكار, كما أن كل أنماط الفكر تمتلك القدرة على فرض الوجود داخل عقول البشر على اختلاف طبائعهم و طباعهم. فلا حدود لما قد يخطر ببال البشر من أفكار. فبإمكان أي منا أن يحتفظ بداخله بأفضل الافكار و أكثرها خيرية -طبقاً للمعاير البشرية للقياس, بإختلاف هذه المعايير نفسها تبعا لعوامل أخرى- و بإمكان الشخص ذاته أن يخلق أو يُعيل أو يحتضن أسوء الأفكار و أكثرها شراً و أحطها قدراً. 
لذا و بناءً على الاساس المنطقي  الذي أقمناه في الفقرة السابقة و القائل بأن المادة الخام من أفكار متاحة بكل إحتمالاتها لجميع النوع البشري, و بجمع هذا البناء المنطقي مع الملاحظة السابقة عليه و القائلة بأن أفعال البشر تتباين تبايناً صارخاً، لا يبقى لنا إلا إستنتاج أن السبب الرئيس في هذا التباين هو الإختلاف العميق في مقومات الإنتقاء الفكري و أنماطه بين فرد و أخر. مما يجعل من فهم عملية الإنتقاء الفكري حجر الأساس و ركن الزاوية في فهم التفاعل البشري من خلال فهمِ أعمق و أدق لعملية التفعيل من خلال منظومة إرادة الفعل..