Friday, October 31, 2014

تعليق

بالنسبة للفديو المنتشر بشكل مثير للشك مؤخرا الخاص بتطبيق حد زنا المحصنات (المتزوجات) على سيدة ما في مكان ما على يد من إدعوا الفهم الصحيح الأوحد (وهو ما لايوجد) للإسلام و تسموا بداعش.. حجم الزوبعة الإعلامية و المجتمعية وخاصة من خلال شبكات التواصل الإجتماعي إستفزني على المستوى العقلي و الأخلاقي و الإنساني و الديني.. مابين مدافع عن أن هذا من صحيح الدين ومؤيد ببلاهة لما حدث و بين مدافع بنية حسنة أنه ليس من صحيح الدين وأن من أسموا انفسهم الدولة الإسلامية لا يمثلون الإسلام في شئ و بين من تصيد في هذا الحدث مجالا جديدا للقدح في الإسلام.. أجد نفسي مفتقدا لصوت التعقل و الإنتباه وسط مجتمع إنساني عالمي فقد الوعي وتحول إلى قطيع من الأبقار المذعورة تتدافع فيما بينها فرارا من لاشئ حتي تهلك إحداها الاخرى..وبرغم عهدي على نفسي أن أتجاهل الحمق و أن احاول العمل جاهدا ب"إلزم عليك دارك" وسط فتن كقطع الليل.. إلا أني لم أطق سكوتا هذا المرة.. 

أولا: لايحق لمن أسموا أنفسهم داعش تطبيق هذا الحد أو غيره لأنهم و إن تولوا أمر جماعة من المسلمين بالقوة أو بقبول هذه الجماعة فهم ليسوا ولاة أمر عامة المسلمين في تلك البقعة من الأرض 

ثانيا: لتطبيق هذا الحد تحديدا شروط يفقها أهل الفقه و التشريع و يعلم عمومها بالضرورة عامة المسلمين.. فهل برهن من طبقوا الحد على توافر الشروط بما لا يدع مجالا للشك؟  أم هل إعترفت السيدة وطلبت تطبيق الحد على نفسها؟ 

ثالثا: هل هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها هؤلاء بتطبيق حد من الحدود؟ (بغض النظر عن شرعية هذا التطبيق من عدمها)  فلماذا هاج الإعلام و ماج في هذا الحد تحديدا؟ ما الهدف من وراء تصوير وعرض الحدث هذه المرة؟ أهو نوع الحد؟ أم هو توقيت النشر؟ هل هي مصادفة أن يختار حد الرجم تحديدا للعرض و الترويج الفج بهذه الطريقة؟ 

رابعا: هل إذا إنطبقت الشروط أو إعترفت السيدة و كان زمام الأمر مستتبا لولاة الأمر في بلد أخر أو زمان أخر, أي هب أن الزمان زمان العباسيين مثلا.. هل تطبيق هذا الحد عند توافر الشروط و بيد ولي الأمر من الإسلام؟؟ و الجواب على قدر علمى المحدود..نعم.. إذا إنطبقت الشروط وتولي ولي الأمر تطبيق الحد كان هذا من صحيح الإسلام..

خامسا: مما سبق في رابعا إذن فإنه لكل المتشدقين و المتغنيين بحقوق ال..إنسان.. يبدو في ظاهر الأمر أن الإسلام  دين الوحشية و الهمجية و الرجعية وغيرها من سئ الصفات مما يتغنى به الجهلاء طوال الوقت..و مما اصبح مصدقا للأسف الشديد عند عوام المسلمين بل و بعض خاصتهم.. 

السبب الرئيسي في هذا الفهم الذي أزعم  أنه قاصر هو الترويج الإعلامي لقسوة الحد قائما بذاته.. الإعلام المنقاد أحيانا و المأجور في معظم الأحيان يبرز فقط القسوة و الغلظة في حد مثل هذا الحد- وهو حقا من أشد الحدود و أكثرها غلظة في الإسلام على قدر علمي - لكن هؤلاء لا يحاولون النظر للحد في إطار الدين ككل لأن هذا لا يخدم أهدافهم و أهداف من إستأجرهم . فهذا الحد-وغيره- جزء من كل متكامل وهو لبنة في بناء وهو فرع من طريق متشعب.. ولمحاولة فهم هذا الحد في إطار الكلية و الموضوعية علي المستوي العقلي و الأخلاقي يجب النظر بشمولية لكل ما يتعلق بما يسمي اليوم بالأحوال الشخصية و ما يعرف في الإسلام على قدر علمي بفقه الزواج و الأسرة.. لا أن يستقطع الحد من جذوره ويعرض لمجرد تخويف من لا عقل له..

لنضع جانبا قناع الرهافة المطلقة و التشدق الزائف بالحب المطلق للبشرية جمعاء ونناقش الأمر في عقلانية بحتة من خلال بضع نقاط في شكل إثبات منطقي و إستنتاج شبه رياضي ليسهل علينا الفهم.

1-  متي يطبق حد الرجم في حالات الزنا؟ ولا أتكلم عن شروط التطبيق هنا بل عن وجوب الحد عموما..
 لا يجب حد الرجم فيما أعلم إلا على الرجل أو المراة المتزوج أو المتزوجة..أي أن هذا الإنسان (رجلا أم سيدة) له شريك شرعي في حياته. و جزء من دور هذا الشريك هو تلبية الإحتياجات العاطفية النفسيةو الجنسية لشريكه. و هكذا عن طريق قناة شرعية مقبولة يجد الرجل و المرأة من يلبي رغباتهما و إحتياجتهما ويشبع الغريزة الطبيعية الموضوعة في البشر. 

2-ما الذي يدفع رجلا أو إمرأة لهما شريك حياة شرعي, للبحث عن ما يحتاجان خارج نطاق هذه العلاقة المنظمة؟
 أعتقد أن السبب المنطقي من وجهة نظري أن الشريك لا يفي بما يحتاجه شريكه على أحد المستويات..عاطفيا أو جنسيا, لذا يبحث الشريك عن من يلبي هذه الحاجة سواء عن طريق التعمد و السعي أو عن طريق قبول ما قد يعرض له أو لها من قبيل المصادفة.

3- هل الخروج عن إطار الشرع والعلاقة الزوجية المقننة شرعا هو السبيل الوحيد لإشباع الحاجة المنقوصة التي لا يكفي فيها الشريك شريكه أو شريكته؟؟؟
 لنتسأل بيننا و بين أنفسنا, هل الخيانة هي سبيل الإشباع؟ هل هذا القبح و الفحش هو الحل؟ أن يذهب الرجل و يترك زوجته بالمنزل ليزني بأخرى لا تحل له؟؟! أو أن تأتي المرأة بمن يحل محل زوجها في فراشه؟؟!!
 أندرك مدي قبح الذنب على المستوي الأخلاقي الإنساني؟؟  هل تخيل أحدنا زوجته في فراش غيره؟ أو تصورت إحداكن زوجها يعطي غيرها من نفسه ماهو لها فقط؟!! هل أحسسنا ببشاعة أن يفضي بعضنا إلى غير بعض ما أفضاه لشريك عمره؟!! والله إن حجم الجريمة لعظيم.. وبشاعتها مما يثير التقزز في النفس السوية

4- هل يفتقد الإسلام من القواعد و الأصول و الأخلاقيات ما يجعل حياة أحدنا مع شريكته أو إحداكن مع شريكها جنة في الأرض إن إتقينا الله جميعا؟ والله ,قسما أحاسب عليه ,أن ما في فقه الأسرة و الزواج لكاف لجل بيوتنا روضة من رياض الجنة إن فهمناه حقا و طبقناه صدقا.. ولمن يتشكك أقول أرجو منك و منكِ أن تقرأ و تسأل و تتعلم قبل أن تحكم على صدق أو كذب هذا الزعم. 
إن أطعنا الله في نساءنا و أطاع الله نساؤنا فينا فاكاد أجزم ان حد الرجم لن يدخل حيز التنفيذ أبدا. فهذا الدين يهتم براحة الإنسان في هذا الأرض كإهتمامه براحته في دار البقاء..لأن الإسلام هو دين المنطق, ولأن الله هوا الصانع و هو يعلم سبحانه أن ما صنع بيده له حاجات وله رغبات و له غرائز وضعها هو سبحانه فيه..فكيف يظلمه (واحاشاه) بأن يحرم عليه ما وضع بذاته في تكوينه؟!!! 
لكن هذا الدين إنما يسعى للتنظيم و التقنين والترقي.. ولهذا كان الزواج و كان له ما له من القدسية و الحرمة في دين الله.. ولهذا كان في الإسلام من القواعد والإرشادات و النصائح و المسائل الفقهية المتعلقة بالزواج نصيب كبير. هدفها جميعا أن يهنأ الإنسان مع من إرتضى لنفسه و إرتضت لنفسها شريكا.. حتى لا يجد الشخص نفسه محتاجا للبحث عن إشباعه خارج إطار هذه العلاقة المقدسة. و إن فسدت هذه العلاقة بشكل أو بأخر فإن في الإسلام من القواعد و الإجراءات ما يسهل و يبسط و يشجع ويحبذ بل ويكافئ على إصلاح هذه العلاقة و إستمرارها بما يضمن رضى الشريكين معا.

5- لنفترض إذا حالة من حالات الزواج حيث لا يتبع الشريكين المسلمين قواعد الإسلام التي تؤدي لسعادة الشريكين.. ولنفترض أن هذا قد أدي إلى فساد هذه العلاقة بما لا يمكن إصلاحه حتى بإتباع ما نص عليه الإسلام نفسه ليساعد الإصلاح.. في هذه الحال يكون الشريكين أو أحدهما على الأقل غير مشبع الحاجة أو الرغبة.. فما الحل في هذا الوضع؟ الحل يقدمه الإسلام للرجل و المرأة إذا فسدت العلاقة الزوجية بما جاوز الإصلاح.. فللرجل الطلاق و للمرأة ما إصطلح على تسميته الخلع.. إذا فالإسلام يقدم في إطار شرعي حلا لإنهاء العلاقة حال فشلها. وحتى هذا الحل له شروطه و ضوابطه التي تحكم كيف ينفذ بما يحافظ على حقوق الطرفين.. وحتى في إطار هذا الإنفصال يذكر القرآن "ولا تنسوا الفضل بينكم".. 

إذا للتلخيص : 
لا يطبق حد الرجم إلا على متزوج
الخيانة هي عين القبح و الفجور و الفحش على المستوى الأخلاقي و الديني
يقدم الإسلام الزواج كطريقة شرعية لبناء إسرة يكون فيهاجزء من واجبات كل شريك إشباع حاجات الأخر
يقدم الإسلام من القواعد ما يضمن -إن إتبع- مستوى من الرضى للشريكين يغني عن البحث خارج العلاقة الشرعية و يقى من الضعف أمام المغريات الخارجية
يقدم الإسلام من القواعد أيضا ما يعيد العلاقة إلى مسارها القويم المرضى للطرفين حال حدوث مشكلة تفسد هذه العلاقة المقدسة. 
يقدم الإسلام طريقا شرعيا للخروج من العلاقة الزوجية في حال فشلها التام
يقدم الإسلام ضمن قواعد الزواج طريقا شرعيا لإنشاء علاقة زوجية جديدة أو حتى إحياء علاقة زوجية إنقضت تحت شروط معينة
الغلظة في حد الرجم غرضها الترهيب " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما " .فكما كانت الجريمة من أقذر ما يمكن كان العقاب من أشد ما يكون خاصة ولا مبرر لها ولا يمكن أن يجبر أو يكره إنسان على خيانة شريكه

بالله عليكم , بعد هذا كله ما حجة من ترك كل ما أحل الله و ذهب بنفسه و بإختياره ليرتكب جريمة الخيانة الزوجية؟!!! أليس من العدل و الحق أن يكون العقاب على قدر الجريمة! لم يفرض أحد على من يخون أن يخون.. 
إن كان له أو لها حاجة لم تشبع في زواجه فله أن يخرج منه و ينشأ غيره في حلال الله و لها أن تخرج منه و تجد من يرضيها في طاعة الله..لكل ما سبق فأنا على المستوى الإنساني أجد حد الرجم مقبولا عقلا و ضروريا أخلاقيا. 

تبقى نقطة واحدة وهي أن من إختار الإسلام وجب عليه أن يؤمن به كلية بتمامه ليس بأن يختار منه ما يراه يصح و يترك ما يراه لا يصح و يعتبره ليس من الإسلام.. قبل أن تشهد أنه لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله إعلم أن حدود الله هي جزء لا يتجزأ من دين الله فإقبله كاملا في قلبك أو إلفظه كاملا من نفسك و الإسلام بخير بك أو بدونك و بي أو بدوني..