أعرفُ أني لا أملكُ من العلم ما يسمحُ لي بمجرد التفكير في كتابةِ معني حرفٍ واحد من كتاب الله, لكني لا أكتب معنيً هنا ولا أدعي علماً ولا أطلب تصديقاً لما ستقرأون, فقط هي خاطرةٌ رأيتُ تدوينها لن يضر مع علمي أنه لن ينفعَ أيضاً فأنا أقلُ شأناً بكثير من أن أعطي علماً نافعاً خاصةً في مجال الدين. لذا أرجو منكم جميعاً تصحيح أي خطاٍ تجدونه ها هنا بلا إبطاء ولو كان خطاً إملائياً.
أيةٌ من كِتاب اللهِ الكريم هي, هي الأيةُ الثامنة عشر من سورة الزٌمٌر. سمعناها كثيراً سمعتُها كجزءٍ تقليدي من خاتمةِ خطبة الجمعة الماضية, فوجئتُ بإسترسال أفكاري, دعوني أشارِكُكم فيها
لننظر إلي لفظةِ القرأن الكريم يَسْتَمِعُونَ
سَمِعَ لفلان أو إليه أي إستقبل ما يقول بأذنيه و أدرك بعقله. إستمعه أو إليه أي أصغي و أنصت.
إختار الله عز وجل لفظةَ يستمِعون بديلاً عن يسمعون , ليوضح لنا أن الحالةَ هنا تتجاوز الإستقبال بالأذن بل و الإدراكَ بالعقل ,إنها أعمقُ من هذا, إنه الإنصات و الإصغاء, التركيز و التفاعُل. إستقبال,فهم,تحليل,إدراكٌ لما بين السطور وإستيعابٌ لما وراء الكلِمات. فقط عندما نكون في هذا الحال ونحنُ نتلقي ما يبثُ إلي عقولِنا عبر أسماعِنا و أبصارِنا نكون تحت مظلةِ حمايةِ من عقولِنا التي تنقي وتنقح ما يُمَرُر إلينا. ثُم إختيار الزمن المضارع , كلنا يعرف أن المضارع هو الإستمرارية, فلم يأتِ اللفظ إستمعوا وإنما جاء في حال المضارعة ليدل علي أنهم دائما ما ينصتون في حال التلقي.
نأتي بعدها للفظةِ القول
إنها ليست قولاً ليست منكرةً لتدل علي العموم, لكنها معرفةٌ تدل علي خصوص, لأنهم هم نفسهم من قال فيهم عز و جل "الذين هم عن اللغو معرضون".ان تعريف لفظةِ قولٍ هنا جاء ليدل علي أهميةِ هذا القول و أنه مضادٌ اللغو. فهم يستمعون - بكل معني الإستماع- فقط لما ينفعُ من الحديث ويُعرِضون عن ما لاطائل من وراءه من الكلام. إنظروا لعظمةِ ألفاظِ القراّن الكريم. هم ينصتون و يصغون ويعقلون بكل جوارِحهم ولكن فقط للقول الحسن وليس للغط الحديث فتخيلوا حجم الإستفادة لشخصِ لا يضيعُ وقته قط في سماع -ناهيك عن قول- ما لا فائدة من وراءه بل إنه-ذاك الشخص- يعطي كل مايملك من فهمٍ و إدراك ليعي خير الحديث.
ثم كلمة فَيَتَّبِعُونَ
ف- يا الله- الفاء دوناً عن كل حروف العطف. كلنا أيضا يعرف معني الفاء في حروفِ العطف. السرعة, المتابعة , لا فارق زمني تقريباً بين الحدثِ المعطوف وذاك المعطوفِ عليه. إنهم يستمعون, يدرِكون, فإذا ما إطمئنت قلوبُهُم لما إستمعوا من خير الحديث , بادروا بالتنفيذ فوراً بلا تلكأٍ ولا إبطاء.لا وقت لقياس المصالح, لا وقت للتفكير في منفعةٍ زائلة. لا خوف من إتباع ما أدركوا أنه صواب, لا تردد.
فَيَتَّبِعُونَ , يَتَبِع, ليست يَتبَع برغم أنهما نفس الحروف في نفس الترتيب ولكنها روعةُ لغةِ القراّن, العربيةُ التي ننتمي إليها ونحنُ عليها وصمةُ عار. يتبع بفتحِ الياء و التاء وكسرِ الباء هي صيغةٌ أدقُ و أقوي تعبيراً من نفس معني يتبع بفتح الياء وتسكين التاء و فتح الباء. كلتاهما تعني السير علي درب و إتخاذ المسلك الذي أخذهُ المُتَبع (إسمُ الفاعل). لكن الإتِباع من لفظةِ إتبع وليس من تبع . الإتباع يكون أغلب ما يكون للإمام, لننظر إلي المعني القراّني في ظل هذه الحقيقة. إن المولي سبحانه يصوِرُ لنا حال هؤلاء بأنهم عندما يستمعون فيدركون فيتبعون, فكأنما ما إستمعوه من هّدي الحديث أصبح إماماً لهم. يطيعونه بكل حذافيرِه و بصغِيريه قبل كبيرِه.
سبحان الله العظيم, أربعُ لفظاتِ هن الدقةُ التامة في التعبير و البلاغة المطلقة و أقصي ما يمكن أن يدرك بشر من جمال تركيب كلمات.
صدق الله العظيم.