Friday, May 22, 2009

العروس

إبتَسمَ لصورته في المرآة و هو يصلح من هندام حُلة زفافه الأنيقة.."أخيراً جاء اليوم الموعود" هتف لنفسه في أعماقه..تداعت الذكريات إلي عقله سريعاً ..تذكر كم رغب بها ..كم أرادها له وحده..هو فقط..منذ رأها من بعيد في ذاك البوم..يالبريقها..كانت تشع بهاءً و رونقاً..رأها تمشي من بعيد محاطة كعادتها بكوكبةٍ من الصحاب و الخلان و المريدين والمعجبين..إلتفت في إتجاهه وخيل إليه مع المسافة أنها نظرت إليه..إليه وحده..ثم إبتسمت..تلاشي الزمن من حوله في تلك اللحظات القصار اللاتي إستغرقتهن إبتسامتها. إستدارت عائدة لتكمل ما كانت فيه. أما هو فلم يعد قط كما كان ,مست نظرتها و بسمتها شغاف تلك الرغبة المتأصلة في أعماق نفسه.. في هذ ه اللحظة إتخذ قراره أنها لابد له..له وحده..

لم يتوان لحظة عن تنفيذ قراره..لم يتوقف و لو لثانية ليعيد التفكير..إنطلق من عقاله كماردٍ من قمقمه..لكم حارب من أجل أن يصل إليها.. كم من معارك خاض بلا شفقة أو رحمة..
نسي أو تناسى كل ما تعلم في نشأته الريفية الأولى..تلاشي صوت والده الذي كان دائماً بمثابة الضمير من أعماقه..كم من قوانين البشر كسر..ضاع من أمام ناظريه الفرق بين ما حُرِمَ و حُلل..قادته رغبةٌ محمومةٌ في الجمع..لم يقم وزناً لشئ أو أحد سواها..داس الكبير قبل الصغير..لم يميز من كان خصمه..حارب الكل..قاتل كارهيها لأنهم نصحوه بالرُجوع..وحارب محبيها لأنهم ينافسونه حبها..لم يكن يسمح لأيٍ من كان أن يقف في طريقه..فقط ليصبح جديراً بها..لم يكن يري سوى صورتها..ولا يسمع إلا صوتها في رأسه تدعوه إليها في شغف و وله..

إستعاد إحساسه بالزمن ليجد موعده إقترب كثيراً و أن عليه الإسراع ليبدأ حفل زفافه عليها..وصل في موعده ليجدها بإنتظاره في أبهى حُلة. فستان زفافها كان أعجوبة من جمال في حد ذاته. لكن غطاء رأسها حجب جمال و جهها وكأنها تتمنع عليه في دلالٍ لأخر لحظة..إبتسم و قد إزداد شوقه و تأججت الرغبة المتقدة في أعماقه..ضاق ذرعاً بالمهنئين و
المصفقين..كره الأضواء و الأصوات..إستعجل اللحظة التي يصبحان فيها وحدهما سوياً..اللحظة التي تصبح فيها له حقاً..له وحده كما حلم دوماً..كم من ليال بات يرسم هذه اللحظة في مخيلته..كم من أحلامٍ بنى و كم من آمالٍ علق..

في غرفتهما بعد إنتهاء الحفل, كاد عقله يطيرُ شعاعاً من الفرح..إشتعل قلبه بالرغبة التي أصبحت بين يديه..إقترب منها وهو يرتجف إنفعالاً..مد يديه ليرفع غطاء رأسها الأبيض الرقراق و..



و تراجع في هلع ليسقط علي ظهره أرضاً أمام قدميها..و بعينان ملأهما الذعر نظر إلى ملامحها غير مصدق لما يراه.. غطاء و جهها كشف عن ملامح لم ير أقبح منها في أسوء كوابيسه..تركز بصره علي عينان إختلطت حمرتهما بصفارهما بسوادٍ مقيت..ملامح لا تكاد تبين خلف أصباغٍ صورتها له ملكة للحُسنٍ في ذاك اليومٍ المشئوم..

نظرت إليه بدهشةٍ مصطنعة..إقتربت منه مائلةً ليواجه وجهها عيناه المذعورتان.."ما بك؟!!" قالت في سخريةٍ ممزوجةٍ بالشماتة.."أنا عروسك التي سعيت خلفها سعيك..أنا عروسك التي جعلتها هدفاً وحيداً نصب عينيك..أنا عروسك التي خرقت لأجلها قوانين البشر و السماء..أنا عروسك.."
صمتت لثانية مُقَرِبة وجهها من وجهه أكثر حتي إشتم رائحة أنفاسها العطنة.."..أنا ..دنياك.." قالتها و أطلقت ضحكةً ماجنة كانت أخر ما سمع..

إسودت الصورة أمام عينيه. و شعر لأول مرة منذ زمن بصوت أبيه يتردد في جنباته..قارئاً الأية الكريمة التي طالما رددها علي مسامعه مذ صغره..

"اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " ...صدق الله العظيم..

Saturday, May 16, 2009

HaLf MooN...



بداية إعذروني على كتابتي العنوان بالإنجليزية, لكني لم أستشعر للترجمة العربية ذات الوقع و الرنين الذي تحدثه الكلمة الإنجليزية في قلبي و عقلي..



نصف القمر.. نصف البدر..Half Moon



ربماكان البدرُ مكتملاً لا يُضاهى في رونقه و جماله, وربما كان مصدر إلهام العديدين , وربما كان أجمل تشبيهات المحبين و العشاق, و ربما أيضاً كان أخصب مصادر الخيال لكُتابِ الرعب, وربما كان الرمز صاحب الوزن الأثقل في ثقافاتِ بعض الشعوب حتى أن وجود آلهةٍ للقمر لايعدُ شيئاً غريباً علي ثقافات بعينها. لكن ما يخلب لبي دائماً , ويشد إنتباهي, ما كان ولا يزال يغرقني في بحورٍ من مزيج التفكير و الشعور ..ما يجعلني أتيه في عوالمِ خيالاتي هو دائماً نصف القمر..نصف البدر..



في تلكم الأيام التي تلي إكتمال البدر يتأكل القمر رويداً رويداً..تنتقص دائرته التامة ليغدو في الثُلثِ الأخير من الشهر القمري ذلك الكيان العجيب..نصف البدر..

نصف البدر يُذَكِرُني كلما نظرتُ إليه أنه الأن نصفُ ما كان منذ أيامِ قلائل..يُذَكِرُني أن لكل إكتمالٍ نُقصانٌ يليه و يُذَكِرُني أنه ليس بعد الكمالِ إلا الزوال..



نصف البدر يُشعِرُني أني أنا أيضاً مُجردُ نصف.. نصفُ إنسان..نصف كيان..نصف ما يجب علي أن أكون..بل نصف ما أستطيعُ أن أكون..



نصف البدر يخبرني أن لي نصفاً أخر في مكانٍ ما يبحثُ عني كما أبحثُ عنه.. يخبرني ألا إكتمال إلا بالنصفين.. و أني لن أكون بدراً أبداً مالم أجد نصفي الأخر..و أني إلى زوالٍ مالم أجد نصفي الأخر..



لكن ذات نصف البدر يُحَذِرُني أنه بعد الوصولِ إلي الكمالِ بالإكتمال يأتي إضمحلالٌ إلي الزوال..فنصفي البدر يلتقيان فيكون كمال جمالِه في إكتمالِه بدر التمام..لكن أحد النصفين دائماً ما يأخذ في التلاشي و الإختفاء..ليتركَ النصف الأخر ليبدأ أو ليُكمِل رحلةَ الإضمحلال في طريقهِ إلي كاملِ زوال البدر ليسود السواد..ويكون محاق..



نصف البدر يُعَلِمُني ألا أفرح بالإكتمال فمآله إلي زوال.. وألا أحزن علي نقصان فمصيرهُ إلى إكتمال..

وإذا كان البدرُ مكتملاً يوقظُ المذؤب في قصص الرعب, فنصف القمر يُذَكِرُني دائماً بنصف المذؤب الذي يحيا بداخلي.. يُذَكِرُني بالوحش الرابضِ في أعماقِ كُلٍ منا لا يمسكه عن ظهورٍ إلا واعزٌ من حكمة أو بقيةٍ من دين أو ثوابتٌ من عقل أو نذرٌ يسيرُ من صبرٍ و حلم..لكنه قد ينبعثُ حيناً ليسيطر علينا في لحظة غضب مكشراً عن أنيابه, مسقطاً أقنعة التحضر و الوعي , مزمجراً معلناً عن وجوده و مُخبراً إيانا أنه مازال يرقُد بأعماق لاوعي كل منا رازخاً تحت قيود العقل أحياناً لكنه قادرٌ علي الإفلات وقتما شاء..



نصفُ البدر يُذَكِرُني أن بدخلي نصف شيطان..و أن جزءٌ من إنسانيتي هو مزيج من الطين و النار..لكن نصف البدر يطمئنُني أن بداخلي أيضاً نصف ملاك..قبسٌ من روحِ الله ..نفخة و نفحة من نقاءه..تشع بداخلي حيناً فتجذبني من على شفا الهاوية لتعيدني إلي الطريق و تنير أمامي سبيل الخلاص..

نصف البدر يُعَلِمُني أن نصف الحقيقةٍ يخدع..فنصف البدر -رغم عشقي إياه- لا يخبر حقاً عن بهاءِ البدر حين تمامه ولا يدُل علي قٌبحِ المحاق في إختفاءِه..نصف البدر لا يُضيء طريقي كالبدر ولا يجعلني أحملُ مشعلي لأُضيء طريقي بنفسي كما يفعل المحاق.. نصف البدر يخدع معطياً إياك أمل النور لكنه لا يكفي لتبديد الظلام..

نصف البدر هو نصف إكتمالٍ و نصف نقصان..نصف جمالٍ و نصف قبح..نصف حقيقةٍ و نصف خداع..نصف نورٍ و نصف ظلام..
نصف البدر هو حال البين بين..هو لا أرض و لا غرق..هو لا وصول ولا ضياع..هو اللا أمل و اللا يأس.. هو وعدُ بالكمال ..ونذيرٌ بالزوال..
نصف البدر.. هو أنا..

Sunday, May 10, 2009

لابرينث

يضيع من قدمَي الطريق,يتلاشى خلف خطواتي مجهولٌ لينبت أمامها مجهول جديد..طريقٌ لا أدري أين بدايتها و لا أعلم لها من نهاية.
لا أتذكر ما الذي ألقي بي في هذي البئر العميقة من اللاشئ!! صحيحٌ أني قد بدأت المسير مدركاً الخطر, بل راغباً به, لكنَ شاطيء النجاة كان دائما ملئ عيني و منال يدي و إطمئنان روعي. لم ألحظ متي فقدت طوق نجاتيَ الأخير, ولا متي غاب عني زورق الحياة..لم أدري متي إنتهت "المغامرة محسوبة العواقب" لتبدأ روحي تهيم في أرض اللاإنسان..كل ما أدرك أني قد افقت لأجدني بلاشئ , لا شيء معي , لا شئ حولي, لاشئ علي مرمي أنظار عيناي ولا قلبي ,لا بصر يبصُر ولا بصيرة تهدي. بل ولا شئ بداخلي. حالةٌ قصوى من الضياع لم أعش مثلها قط..
ريحٌ تعصف بما بقي من معالمِ الطريق..
تتطاير مع كل خطوة أخطوها الملامح , تتبدل ألوان المألوف الدافئة لتغيب في سوادٍ قارص البرودة, يتأكل كل أملٍ في نجاة.. أي شكلٍ من نجاة..
هبةٌ أخري للريح أشد قسوة, يكاد يفلتُ من يدي..تتشبث أصابعي به بإستماتة..إنه أملي الأخير..بئر الحياة الوحيد في صحراء الضياع.. أثرٌ باقٍ من دليلٍ قادني يوماً في التيه..أتشبثُ به كغريقٍ بأنامل منقذيه..كرضيعٍ في الفطام بثدي أمه..كنخلةٍ بجذورها في أرض..
تتحرك يدي به في حركة ٍ محمومةٍ نحو أنفي.. أتنفسه أستنشقه أتمني لو أن أنفاسي إستطاعت أن تحمله معها إلي داخلي.. ليستقر جوار قلبي مؤنساً وحدته, مهدئا روعه, مثبتاً جزعه, مطمئناً فزعه.. نعم, مازال يحمل عبيرها..ترياق الحياة الذي كانت تتطيبُ به, مزيجٌ من الحنان و الشجن, كأنهم قطروا حلاوةَ الحزنِ ليخلقوا منها إكسيرأً سحرياً لا يعرف سره سواها..
أسيرُ في غيبوبةٍ من خيالاتي لتتوه قدماي أكثرَ فأكثر في ذات اللاطريق..لكني مستمرٌ في المسير علني إذا أصل..
أجدها بإنتظاري...

Monday, March 30, 2009

أنا


1-فين؟!!
أفقت اليوم لأجدني أسعى حثيثاً نحو السادسة والعشرين. صحيح أنها ليست السن المخيفة بعد, ولا تعني شيئاً خاصاً في حياة الإنسان كالثامنة عشر أو الحادية و العشرين أو الخامسة و العشرين مثلاً. لكن إدراكي أني أعيشُ الأن عامي السادس و العشرين علي ظهر هذه الأرض أصابني بصدمةٍ من نوعٍ خاص. فأنا أعلم أني قد إحتفلت في شهر سبتمبر الماضي بعيد ميلادي الخامس و العشرين, لكن يبدو أن هذا العلم لم يتحول إلي إدراك تام بهذه الحقيقة إلا اليوم. ولا أدري لهذا سبباً.
ما يعنيني حقاً ليست السادسة و العشرون, لكنها الخمسُ و عشرون عاماً التي مضت,إنقضت,ذهبت,مرت,فاتت و إنتهت من حياتي..ربعُ قرنٍ من الزمان مرت بيَ في هذي الحياة. عشتُ خلالها عبرَ ما مر بي فإبتسمتُ و عَبِستُ, ضحكت و بكيت, و مضيتُ فيهُنَ كما يمضي الناس في أعمارهم أتقَلبُ من حالٍ إلى حال.

2- جيت منين طيب؟!!
خمسٌ و عشرون عاما, منها ما يقارب الثلاث عشرة عاماً في طفولةٍ أجرؤ علي القول بأنها كانت سعيدة, أو علي أقل تقدير كانت أسعد مما تلاها من أعوام, طفولةٌ شبه عادية كانت. ككل أبناء جيلي تقريباً سافرت مع والديَ إلى إحدى دول النفط في بدايات عهد ما بعد الإنفتاح الثاني و في أوائل العهد المبارك الذي ولدتُ و نشأت و عشت و يبدو أني سأرحل عن الحياة في رحابه - ( أعتقد أني من المحظوظين الذين جاءوا إلى الدنيا في عهودٍ مباركة و سيرحلون عنها في أيامٍ يملؤها الجمال).
كان نصيبي من بلاد النفط هو أرضُ الحجاز, المملكة كما أطلقوا عليها في إسم ذلك الفيلم السخيف, وقد أعطاني هذا الفرصة لأكون من أصغر الحجاج سناً, فقد أتممتُ مراسم الحجِ و العمرة مع والديَ و أنا بعدُ لم أتم عامي الثالث. وكان شكلي كالملائكة في إحرامِ أبيض بحجم طفلٍ في الثالثةِ من عمرهِ (دا كلام أمي طبعاً).
أمضيت هناك ما يقرب من الأعوام الست تقريباً عدنا بعدها إلى أرض القمامة..قصدي الكمامة..يوووه قصدي الكنانة, لأدخل في دوامة التعليم المصري العتيدة.
دراسة إبتدائية أنهيتها بتفوق و حصُلتُ علي مجموع يقاربُ السادسة و التسعين بالمائة في عامي الخامس الإبتدائي و الذي كان شهادةً شديدة الأهمية كما شعرتُ وقتها. ثم ثلاث أعوام في دراسة إعدادية (و لا أدري لما كانت تُعِدُنا تلك الدراسة "الإعدادية" علي أي حال), أنهيت عامي الثالث بها بمجموع يماثل أو يزيدُ قليلاً عن ذلك الذي حَصَلتُ بالإبتدائية. و من الطريف أني في عامي الثاني الإعدادي حَصُلتُ علي مجموع نهائي حوالي سِتٍ وثمانين بالمائة, أذكر أني حزنت وقتها حزناً شديداً, فقد كانت هذه هي المرةُ الأولي التي ينحدرُ فيها مجموعي النهائي إلى أقلَ من خمسٍ و تسعين بالمائة.
غير أن أهم ما طرأ عليَ من تغيير في تلك الفترة أن ذُقتٌ الحبَ –أو ما ظننتهُ حباً- للمرةِ الأولي في حياتي, كنت في أواخر الثانيةَ عشر من عمري ساعتها. كانت مدرستي الإبتدائية و الإعدادية مدرسةً مختلطة لذا لم يكن غريباً عليَ أن أتعامل مع زميلاتٍ ليَ بفصلي.
أعتقد أنه في أثناء سنى الطفولة تظهر مشاعر كل من الجنسين نحو الأخر في شكل مشاكل طفولية, إغاظة للأخر, مشادات كلامية , معارك بريئة ونحو ذلك. ثم تبدأ مرحلة الإنجذاب الغير مفهوم من الطرفين للطرف الأخر مع بداية أعوام المراهقة.تليها مرحلة إدراك الأخر وحجمه ودوره في الحياة وفهم الدافع الغريزي الذي وضعه الخالق في كلا الطرفين نحو الأخر. لكني و من عامي الخامس الإبتدائي تقريباً –( وهي تقريباً نفس السن التي حصلتُ فيها علي أول كمبيوتر في حياتي)- في هذي السن كنت أشعر بشئ لم أفهمه ولم أدرك كنهه نحو فتاة بعينها من زميلاتي في الصف.
لم تكن فاتنة الصف كما يطلقون عليها في المدارس الأمريكية, لم تكن أجملهن ولا أخفهن ظلاً ولا أكثرهن ذكاءاً وليست "أشطرهن" -بتعبير طفولتنا – من ناحية الدراسة. ففي هذه الفترة كنت أتنافسُ دوماً مع إثنين من أصدقائي –(مازالا إلي يومنا هذا من أصحابي)- كنا نتنافس علي زعامةِ "شطارة" الفصل بين الأولاد, فتارةٌ أتفوق أنا و تارةٌ يتفوق أحدهما. بينما كانت تتنازع لقب "أشطر بنت" إثنتان من الفتيات هما "سمية" و "سارة".
يا الله, لكم وددت أن أتفوق علي سمية هذه, كانت نموذجيةً تلك الفتاة. شديدة المهارة باللغات كعادة معظم الفتيات و برغم ذلك لا تقل ذكاءاً بالعلوم و الرياضيات وسواهما. وهي كابتن فريق كرة اليد للفتيات –و قد كانت كرة اليد هوايتي الأولي في ذاك الوقت إذ كنتُ مهاجماً خطيراً , نظراً لصغر حجمي و سرعة تحركي- ولطالما لعب فريقنا من الفتيان مع فريق سمية لنخسر منهن مرة و نربح مرة.
المهم أن فتاتي- إن جاز هذا التعبير علي أطفال في سننا وقتئذ- لم تكن إحدى تلكم الفتيات المميزات بالصف. لكنها كانت بالتأكيد "شاطرة" هي الأخرى, كانت دائماً تنافس علي المركز الرابع أو الخامس. وكانت أيضاً –مثلي- عضواً في "جماعة الكمبيوتر" والتي إبتدعنا لها تصميماً بدائياً لبطاقات العضوية التي صنعنها يدوياً ووزعناها علي أنفسنا ولم يكن عددنا يتجاوز العشرة أفراد.
رانية.. أتذكر إسمها الأن بنفس الموسيقى التي شعرت بها دوماً حين كنت أنطق إسمها منذ أعوامٍ عديدة. بيضاءُ بضة كانت, وفي عينيها الزرقاوين يلتمعُ ذكاءٌ شديد مخلوطاً بشئ غير قليل من "شقاوة" الطفولة وبراءتها. وجهها المبتسمٌ دائماً مملؤٌ نمشاً دقيقاً لونه مزيجٌ من درجات الحُمرة كلون شعرها.. شعرٌ مموج لونه مزيج من البرتقالي و الأحمر. لها رائحةٌ مميزة لا أدري حتي اليوم ما كان مصدرها, لكنها مخدرة جذابة, لم أشم مثل عبيرها علي إمرأة أو فتاة إلي هذه اللحظة. ذات لثغةٍ بالراء, تنطقها ثقيلةً إلي حد ما, هي سر ضعفي الشديد أمام الفتيات ذوات اللثغة بالراء إلي يومنا هذا. وهي سبب حالة الوله-والتي قد تتحول إلي بله- التي أصابُ بها أمام فتاة حمراء الشعر أو زرقاء العينين.

"فتاتي ذات الإثنى عشر ربيعاً..تُرى أين أنتِ الأن؟!!..و كأني لم أعشق سِواك.."

من يدري لعلها الأن إحدى من يقرأن هذه الكلمات. رأيتها مصادفة في الطريق منذ ما يقرب من العام. لم تذكرني لكني تعرفتها من فوري. لم تتغير كثيراً, ذات النمشٍ في وجهها ومازالت عيناها تلتمعان بذات البريق و إن إختفي شعرها المموج خلف حجابٍ ينسدل ليضربَ علي جيبها و يلتقي مع ملابسها الأنيقة المحتشمة ليكمل الصورة التي تخيلتُ يوماً أنها ستكونها. قد أصبحت كما تخيلتها ستكون يوماً منذ أعوامٍ عدة. لكني أنا الذي أصبحتُ غير ما تخيلنا وقتها, لها عذرها إذا لم تتعرفني ..لكم غيرتني تلك السنون. لكنها ذات السنون التي زادتها بهاءاً علي بهاء و رونقاً علي رونقها و رقةً علي رقة, و نقاءاً فوق نقاء.. لعل الله يوفقها إلى ما يُحبُ و يرضى و ما تحبُ و ترضى.

3- طب رايح فين؟!!
إنتهت أعوامي الإعدادية و إنتهت معها قصتي مع رانية بعد ما يقارب الثلاث أعوام من المشاعر البريئة التي كنتُ أتعرفها للمرةِ الأولى..
إنتقلتُ إلى مدرسة ثانوية عسكرية, هي المدرسة "الإبراهيمية الثانوية العسكرية للبنين". وقد كانت هذه نقطة تحول هامة نقلتني من عالم الطفولة المنعمة التي كنت أحيا فيها , إلي قلب عالم المراهقة و المراهقين المتقلب بكل عنفوانه وقلقه و رغباته ورهباته وتجاربه وخبراته.
ذلك أني حتى السنة الثالثة من دراستي الإعدادية كانت مدرستي على بعد خمس دقائق مشياً وئيدا. وكان أصحابي –على كثرتهم- كلهم على نفس شاكلتي لم نعرف شيئاً في هذا العالم سوى منازلنا و مدرستنا و أهالينا و بعضنا البعض. ولا خبرة لنا غير ما نقرأ و نتبادل من كتب. كنا جميعا في منتهى السذاجة أو إن شئت التخفيف البراءة.
كما أن مدرستي كانت خاصة مشتركة و الدراسة بها لا علاقة لها بمناهج التعليم العام إلي حد بعيد,اللهم إلا في الإمتحانات, لذا فحجم الإختلاف و النقلة المفاجئة لم يكن هيناً, من هذا العالم الضيق النقي , إلي دنيا المراهقين.

مدرستي الجديدة كانت تقع في حي "جاردن سيتي" في مواجهة السفارة السعودية, و إلي يسارها كانت مدرسة ثانوية فرنسية قبطية للفتيات (وسيأتي الحديث عنها لاحقاً), المهم أن الدراسة تبدأ في الثامنة إلا الربع وحيث أني أقطن في منطقة متاخمة لحي حلوان, كان لزاماً علي أن أبدأ تحركي من منزلي متجهاً إلي محطة المترو لأتخذ طريقي إلي المدرسة في حوالي السادسة و النصف صباحاً.
وحيث أن المدرسة كانت –ولاتزال- تحتفظ ببواقٍ من طابع العسكرية,فإن التأخر عن طابور الصباح كان له عواقب وخيمة ولم يكن بالشئ الهين,خاصة وأنا طالبٌ-وقتئذ- مهذب و ملتزم وقد تؤذيني كلمةُ إهانةٍ أو توبيخ أسمعها أشد الأذى (دا وقتئذ برضه بالمناسبة ).
كما تعرفت لأول مرة من خلال مراقبتي زملائي من الطلاب على شعور الشباب المراهق بالحرمان وأدركت حجم عدم الفهم الذي يعانون منه لذلك الكائن المجهول المسمى "فتاة" وهو ما سينمو مع الكثيرين منهم ليتحولَ إلي حجمٍ أكبر من عدم الفهم للكائن الأكثر غموضاً "المرأة" , وقد كان هذا يبدو واضحاً في "نظرياتهم" التي يؤمنون بها و يتشاركونها في مناقشاتهم حول الفتيات و ما يحببن وما يكرهن وما هي أسهل الطرق إلي فتاة. وأجد من الجدير بالذكر هنا أن أحداً منهم -على حد ما أذكر- لم يسأل قط عن أقصر الطرق إلي قلب الفتاة لكن إهتمامهم كان منصباً علي أقصر الطرق للفتاة كأحد مظاهر التفوق و التباهي فيما بينهم البعض بالإضافة بالطبع إلي الإهتمام السائد بينهم- بحكم الطبيعة العمرية و التربوية- بالفتاة كأنثى مجردة.

وقد كانت دراستي الثانوية هذه بالنسبة لي تجربةً جديدة وكنت برغم شكواى المستمرة مستمتعاً بها أيما إستمتاع, كعادتي بالإبتهاج بكل تجربة جديدة ولو لم تكن سعيدة أو سارة. وهي عادة لازمتني لتصبح جزأً من شخصيتي حيث وهبني الله القدرة على الإستمتاع بكل موقف جديد وإن كان شائكاً كخبرة تضاف إلي خبراتي, ومبدأي في مواجهة المواقف الجديدة بسيطٌ للغاية, فأنا إن نجوت من هذا المأزق فقد تعلمت كيف أنجو من أمثاله, وكيف أتلافي حدوثه مجدداً وكيف أتعافى من نتائجه وكيف أصبرُ عليه. أما إذا لم أنج, فستكون خسارتي في هذا المأزق مهما كان حجمها هي أقل مشاكلي.

أسمع وأنا أكتب هذي الكلمات إلي غنوة هي برغم ركاكة كلماتها أحد أحب الأغنيات لقلبي. أغنيةُ قديمةٌ نوعاً للمغني متوسط الشهرة "هشام عباس" وهو بالمناسبة أحد مطربي مراهقتي المفضلين. بها جزءٌ تقول كلماته:
"زمان وأنا صغير, كنت بحلم أبقى كبير
تعب القلب وإتحير من الدنيا و من المشاوير
الحلم كان برئ مفروش بالورود
والقلب كان جرئ مليان بالوعود
ولما كبرت قلت ياريت ما كنت حلمت ولا إتمنيت وقلت ياريتني فضلت صغير..
زي زمان..

أما ما حدث في سنون مراهقتي و أيام دراستي الثانوية ثم شبابي و دراستي الجامعية, وكيف تحول ذلكم الطفل المبتسم بداخلي إلي هذه الشخصية المتشائمةَ بالطبيعة, المتحريةَ للواقعية,و الباحثة عن منطق الأشياء. وكيف أصبحت روحي قلقةً وثابة, وأصبح عقلي كالفرسِ البري الجامح يأبي الترويض. كيف كُسِرَ ال"حلم البرئ" و كيف تعلم ال"قلب الجرئ" أن يخشى الغد وأن يغدو ملئً بوعود مكسورة و عهودٍ مغدورة..فلنا في هذا كله لقاءٌ أخر..


Sunday, January 11, 2009

Off the Market


في يومٍ ما ذهبت لأقابل أحد أصدقائي لنذهب معاً لنقابل إحدى صديقاتنا. و بعد أن جلسنا في إحدى ال"كافيهات" و أخذنا الحديث في إتجاهات عديدة, جاء ذكر البلد الشقيق سوريا, وبرغم ما سمعنا ورأينا مؤخراً عن المظاهرات المعادية لمصر (أو علي الأقل للرئيس المصري) في سوريا. إلا إن الحديث عن سوريا لن يمر بمعرض شابين مثلي و صديقي دون الحديث (و لو مرور الكرام) عن نساء سوريا و بناتها -الاتي لم يسعدني (أو يتعسني لا أدري) الحظ لأتعرف بإحداهن- وبالطبع كشباب مصري أصيل لم ندع الفرصة تفوت لأذكرأنا و صديقي "المميزات" المتعددة للمرأة السورية. وهي المميزات التي لم أرها ولم أعرفها و لم ألمسها بنفسي. إلا أني رحت كعادة معظم الشباب المصري أردد ما سمعت من أقراني الذين غالباً ما كانوا يرددون هم أيضاً ما سمعوه. المهم بعد أن إنتهي الحديث و إنتهت جلستنا, وأنا في طريقي للبيت (في الميكروباص نادي السكة/حلوان العظيم أبو إتنين جنيه). وأنا في طريقي دار في رأسي لقطات من الجلسة التي فرغت منها منذ دقائق لا تتجاوز اصابع اليدين. لاحظت شيئاً غريباً للغاية , أنا وصديقي تحدثنا (وسرحنا وخدنا راحتنا علي الأخر) في موضوع بنات سوريا ولم نراعي إطلاقاً وجود فتاة معنا. لا أعني هنا بالطبع أن ما قلناه قد تجاوز الحد بأي حال من الأحوال ليجعلها تخجل أو تتأذى من سماعه.لكن ما لفت إنتباهي هو كيف و لماذا رحنا نبدي إعجابنا الشديد ببنات سوريا و تحملهن و أصالتهن و ذكائهن و بالقطع جمالهن المساوي أو يقل قليلاً عن الجمال اللبناني الذي يعتبر هو ال upper limit في الجمال العربي متجاهلين تماماً وجود فتاة عبر المائدة!!.

ما جعلني أتساءل هو في الواقع عدة نقاط, أولها أنه بالرغم من أن العلاقة بيني علي الأقل و بين صديقتنا المشتركة الجالسة معنا ليست بالحميمية التي تسمح بصورة منطقية بذكر هذا النوع من الكلام أمامها بإعتبارها صديقةً مقربة ولن تمانع في مثل هذا النوع من الحديث إلا أننا فعلنا وبلا أدني خجل. كأنه من الطبيعي أن نبدي إعجابنا أمامها ولا يجب بل ولا يحق لها أن تتضايق أو تتأفف. وسبب الضيق الذي أعنيه هنا ليس لشئ إلا أن البشر بالطبيعة- رجالاً و نساءً- لا يحبون أن يظهر أحدهم إنبهاره أو تظهر إحداهن إعجابها الشديد بهذه الدرجة وهذا الوضوح و الصراحة بشخص أو "نوع" من الأشخاص من الجنس الأخر أمامهم, كلنا يشعر بنوع مستتر من الغيرة الغريزية. لا أدري إن كان هذا صحيحاً في العموم أم لا لكنه ما تعلمت من خبراتي البسيطة في الحياة. لذا فأنا أعتقد أننا لم نراعي مشاعرها علي المستوى النوعي كفتاة إذا جاز التعبير.

ثانياً: هي فتاة مصرية و أذكر هنا أنها مصرية لأن هذا هو ما يعنيني في النقطة الثانية, لا أدري إن كان هذا يحدث في جميع شعوب الأرض لكني أزعم (ولكم الحق في نقض هذا الزعم) أننا كشباب مصري من أكثر شباب العالم إعجاباً بغير بنات بلدنا. فنحن نعجب بالسوريات و نعشق اللبنانيات و نفقد النطق أمام الروسيات و نفقد العقل أمام الفاتنات اللاتنيات ..و ..و ..و , كلكم يعلم هذا. وأنا لا أنفي هذا حتي عن نفسي فالإعتراف بالخطأ(علي الأقل من وجهة نظري أري أنه خطأ لدرجة ما) الإعتراف به واجب حتي إن لم نتوقف عنه. و مرة أخري أوضح أني لا أعني أن نشوء علاقة بين شاب مصري و فتاة غير مصرية أو العكس خطأ , بل أعني أن توغل فكرة أن غير المصريات هن بالتأكيد أفضل في كل شئ من المصريات, توغل هذه الفكرة بهذه الصورة وتشبع الوجدان و الوعي الجمعي للشباب المصري بها هو بالتأكيد خطأ. ولا أعلم يقيناً إن كان ما سأقول صحيحاً . لكني أعتقد بشدة أن حديثنا عن فتيات سوريا لابد قد جرح شيئاً ما في الكبرياء المصري لصديقتنا أو خدش سطح كرامتها الفرعونية ولو خدشاً سطحياً.

علي أن كل ما سبق هو تداعي غير متسلسل للأفكار, لكن ما إستثار إنتباهي حقاً هو كلمة قالتها صديقتي -بلا وعيٍ منها علي الأرجح- و ضاعت في مجرى الحديث حتي إلتقطها عقلي وأنا أسترجع الحوار. قالت " أنا Off the market "... قد تبدو هذه الجملة بسيطة وغير مسترعيةً للإنتباه, لكنها حفزت عقلي بشدة. تعالوا نحللها سوياً , حديثنا كما ذكرت كان عن الفاتنات السوريات و الزواج , وما شابه لذا فال market الذي تقصده صديقتي هنا هو سوق الزواج أو بتعبير أقل لياقة وأكثر وقاحة "سوق البنات" . و قبل أن تطالب بعض صديقاتي من الأخوات ال"feminist" إياهن إعدامي رمياً بالحذاء -(و لازم عدد الجزم الحريمي اللي هيترمي عليا يبقي مساوي لعدد الجزم الرجالي, أه ولا هما الرجالة هيسيطروا علي كل حاجة حتي الإعدام بالحذاء) المهم - أعلن و أقر هنا أن السبب الرئيسي لكتابتي هذه الكلمات هو دهشتي وإستنكاري الشديدين للفظة التي إختارتها صديقتي و دلالة هذه اللفظة.
أنا أعلم بالقطع أنها لم تقصد هذا المعني تحديداّ لكن تلك مصيبةٌ أعظم, فهذا يعني أنه برغم ثقافتها الواسعة وعقليتها التي أُعجَبُ بها كثيراً إلا أنها لم تتخلص بعد من هذا الموروث التراثي وقد بقي منه ولو رواسب مترسخةً في وعيها أو -لا وعيها لا أدري -لكنها هناك مازالت تطل من حين لأخر عبر كلماتها بل و ربما عبر أفعالها أو مواقفها (لكني أشهد أني لم ألاحظ أياً من هذا فقط هي هذه الكلمة التي أُعَلِقُ عليها هنا),و لتعلموا سبب إستنكاري دعوني أخبركم أن صديقتي هذه تحمل شهادة جامعية (أشهد أنا تستحقها ليست كمعظم خريجي الجامعات)و هي حاصلة علي MBA في فرع من فروع ال management التي لا أفقهُ فيها شئً, وهي قارئة من الطراز الأول و شخصية موضوعية جداً ولديها عقلية تحليلية رائعة. لذا تجدونني غايةً في الإندهاش حينما أسمع منها تعليقاً كهذا بالرغم من علمي و تأكدي أنه أفلت من مكان ما من لا وعيها.

ما أثار إنتباهي و ربما غيظي, في هذه الجملة القصيرة هما نقطتان, أولهما أنه مازال في فتياتنا ونسائنا من تفكر في نفسها كسلعة (و أنا هنا لا أعني علي الإطلاق صديقتي تلك, فعقليتها أعمق كثيراً من هذا التفكير المسطح). لكن هذه الفكرة ما زالت تحتل وعي عدد كبير من الفتيات و مازالت تختبئُ في لا وعي عددٍ أكبرَ منهن. فكرة أن المرأة لها تاريخٌ لإنتهاء الصلاحية, فهي إما أن "تباع" و تجد المشتريَ المناسب و إما تكون قد فاتها القطار و توصم بالعار و الشنار(الذي لا أدري ماهو تحديداّ). و أنا هنا لا أناقش أهمية الإرتباط للنوعين ولا أناقش فكرة العنوسة ولا تأخر سن الزواج و لا حجم الغباء الإجتماعي الذي نعاني منه. كل ما يهمني هنا و في هذه اللحظة هو نظرةُ الفتاة نفسها لنفسها..هل فعلاً لا تزال فتياتنا ينظرن بالمرآة ليتأملن صورتهن ثم تمصمص إحداهن شفتاها لتقول "ما أنا حلوة أهو أمال الرجالة صابها العمى ولا إيه ؟!!!" هل فعلاً لا تزال فتياتنا تقدرن قيمةَ أنفسهن بناءً علي وزنهن في "سوق البنات" ؟!!. بل هل ما زال بعض الأشخاص رجالاً كانوا أم نساءً يُقَيمون أنفسهم علي صورتهم في عيون الأخرين؟!!. لا أدري أهذا حالي أنا فقط أم ماذا لكني أومن تماماً ان ما يهم حقاً هو نظرتي لنفسي في مرآتي,هذا هو مقياسي, عندما أنظر في المرآة وأجد ذلك الوجه المتجهم أو نظرةَ الإتهام أو العتاب أو حتي في أحيان ما نظرة الإحتقار..ساعَتها أعلم أن شئً ما خطأ ساعَتها أجلس مع ذلك المراقب العجوز بداخلي لأراجع ما حدث لأعرف مصدر الخَلَل.عذراً لكنه إستطرادٌ لم أستطع منع نفسي عنه.ففكرةُ ان بعض الناس لا يقيمون وزناً لأنفسهم إلا في حدود ما يضعه لهم المجتمع و الأخرون من قيمة يثير غيظي قبل عقلي.وأحد أبرز الأمثلة علي هذا هو تلك الفكرة المسيطرة علي عقول العديد من الفتيات اللاتي يُخضعنَ أنفسهن لتقييم المجتمع القاصر
ولا يشعرن بقيمتهن إلا في حدود الأنثي التي لا يرى مجتمعُنا الأعور غيرها فيهن..
قد أبدوا متحاملاً لكني أوضح أني لا أنكر أهمية وجمال دور المرأة كأنثي و إمرأة, ولا أنكر علي الجميلات إهتمامهن بالجمال و لا إعتنائهن بما منحه الله لهن من بهاء. علي الإطلاق ,فعلي أقل التقديرات أنا مازلتُ رجلاً ومازلت أملك الضعف الرجولي الذي يحولني إلي مصاب بالعته المنغولي أمام الفاتنات.و أنا أومن أنه لولا إهتمام النساء بأنفسهن ولولا ذلكم الواعز الخفي الذي يدفع الفتاة لتستدرج ذلك المسكين إلي شراك الحب, لولا هذا لما وجدت الأسر السعيدة ولا وجد الأبناء بل وما وجدتُ أنا نفسي.وقد تفني الحياة إذا ما لجأت النساء جميعاً إلي الطرف الأخر للميزان فأصبحن جميعهن "أشخاص" مجردات من الدور النسائي -و الذي لا يستطيع لعبه سوى إمرأة- في تكوين أسرةٍ و بالتالي بناءِ مجتمع. ما أريد قوله هنا هو أن التطرف هو عين الخطأ, سواءً كان تطرفاً في ناحية "الأنثي" في المرأة أو تطرفاً إلي ناحية ال"شخص" في المرأة.

النقطة الثانية هي قول صديقتي انها هي شخصياً "خارج المنافسة" "Off The Market" وهي كما ذكرت علي قدر من العلم والثقافة و العقل لا يملكه العديد من أترابها, لملذا إذاً يا صديقتي تعتبرين نفسَكِ خارج المنافسة (برغم رفضي التام كما هو واضح افكرة المنافسة -السوق- نفسها). ما إستنتجه عقلي من هذا هو أن أدوات المنافسة نفسها ليست هي ما
تمتلك, أي أن المنافسة هنا تبني معاييرها علي أسس أخري غير العلم و العقل بل و الدين أيضاً فصديقتي هذه أزعم أنها ممن صلُحَ دينهم إن شاء الله علي قدر معرفتي أنا نفسي بديني و قدر معرفتي بها. لذا فكونها -مع إمتلاكها هذه الصفات -تعتبر نفسها خارج السباق يحعلني أفكر فيما تعتقد أو تؤمن هي أنه "المؤهلات" الكافية للفتاة لدخول ذلك السباق, ماذا يجب أن تملك الفتاة لتصلح في العرض في ذلك السوق؟, أعتقد أننا جميعاً نعرف إجابة هذا السؤال. لكني كرجل أخبر صديقتي تلك عبر هذه الكلمات, نعم معظم عقولنا كرجال صغيرةٌ إلي حد أن نفقد النطق أمام الفتنة حتي مع معرفتنا أنها كذبةٌ في معظم الأحيان إشترك فيها كريستيان ديور و لاكتيويل "I dont like it" و أورفيلام وأخرون غيرهم الله يعلمهم , لكن صدقيني حينما يأتي الوقت الحقيقي للإختيار فإن معظم الرجال يكونون أذكي من أن يجروا وراء لعابهم السائل علي قشرةِ تذوب بأي مزيل لمساحيق التجميل..
فالروح يا عزيزتي لا يُخفي قبحها أي تجميل و لا يُخفي جمالُها غطاءُ الجسد.

لذا فأنا هنا أعتذر لصديقتي تلك أولاً علي كوني لم أراع مشاعرها في حديثي مع صديقنا المشترك و ثانياً لأنني مازلت منافقاً في إيماني ببعض ما قلت, فأنا نفسي لم أصل بعد إلي تلك الدرجة من التجرد التي تجعلني لا أضع ولو بعض القيود الشكلية البسيطة في من أسعى للإرتباط بها, فما زلت لا أنفذ أنا نفسي ما قلت حرفياً, لكن عذري يا أصدقائي أني..رجل (ما فيش فايدة في الصنف أبو عين زايغة ده ياختي)